وسط تصاعد النزاعات.. تحذيرات أممية من تراجع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني
وسط تصاعد النزاعات.. تحذيرات أممية من تراجع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني
حذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، اليوم الثلاثاء، من تصاعد حجم المعاناة الإنسانية في مناطق النزاع حول العالم، مشيراً إلى أن ما تشهده دول مثل السودان وأوكرانيا وغزة والضفة الغربية وميانمار يُعد دليلاً صارخاً على التراجع الخطِر في احترام القانون الدولي الإنساني.
وأكد غراندي أن هذه الصراعات الدامية خلفت نزوحاً جماعياً للسكان ودماراً واسعاً في البنى التحتية الأساسية، موضحاً أن العالم يشهد حالياً مرحلة غير مسبوقة من الانفلات الإنساني والأخلاقي، حيث تتزايد الجرائم والانتهاكات في ظل إفلات تام من العقاب، سواء من قبل الدول أو الجماعات المسلحة غير الحكومية، بحسب وكالة “فرانس برس”.
وقال المفوض الأممي إن الفظائع التي تُرتكب في مناطق النزاع تُظهر تخلياً متعمداً عن المبادئ الإنسانية باسم القوة المسلحة، مشيراً إلى أن مدنيين لقوا حتفهم أثناء انتظارهم في صفوف توزيع الطعام، في حين قُتل آخرون داخل المخيمات التي لجؤوا إليها طلباً للحماية.
تدمير بشكل ممنهج
أضاف غراندي أن المستشفيات والمدارس تتعرض للتدمير بشكل ممنهج، في حين سُجل عدد قياسي من الضحايا في صفوف العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية.
وأكد أن أطراف النزاع لم تعد تبدي أي احترام للقواعد التي تحكم الحروب، قائلاً: "لم تعد الأطراف المتحاربة تكلف نفسها حتى عناء التظاهر بالالتزام بالقانون الدولي، بل أصبحت تُروّج للحرب والعنف العشوائي بوصفها وسائل مشروعة لتحقيق أهدافها العسكرية".
وحذّر من أن تكرار الجرائم اليومية ضد المدنيين يهدف إلى "تخدير الضمير العالمي وجعلنا بلا حيلة أمام هذا الانهيار الأخلاقي المتسارع".
أرقام كارثية للنزوح واللجوء
أوضح المفوض السامي أن عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب الحروب والاضطهاد قد تضاعف تقريباً منذ عام 2015، ليصل إلى نحو 122 مليون إنسان حول العالم، وهو رقم يمثل أعلى مستوى للنزوح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبيّن أن محاولات الحكومات للحد من تدفق اللاجئين باءت بالفشل، مشيراً إلى أن هذا الواقع دفع بعض الدول إلى إعادة النظر في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ، بل وصل الأمر إلى الدعوة لإلغائها بالكامل، وهو ما عدّه تهديداً خطِراً لأحد أهم الأعمدة القانونية التي تحمي اللاجئين في العالم.
وأكد المفوض أن اتفاقية جنيف لعام 1951 تُلزم الدول بتوفير الحماية لكل من يفر من الحرب والعنف أو الاضطهاد أو التمييز، موضحاً أن من لا تنطبق عليهم هذه الشروط يمكن إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى دولة ثالثة، بشرط أن تتم العملية بما يحفظ كرامتهم وسلامتهم.
سياسات الترحيل المعتمدة
عبّر غراندي، عن قلقه العميق من النقاشات السياسية الجارية في أوروبا ومن بعض سياسات الترحيل المعتمدة في الولايات المتحدة، مؤكداً أن هذه الإجراءات، رغم سعيها لمعالجة تحديات واقعية، فإنها لا تتماشى في كثير من الأحيان مع مبادئ القانون الدولي الإنساني.
وتطرق المفوض السامي إلى أزمة اللاجئين السوريين، موضحاً أنها أجبرت نحو نصف سكان البلاد على النزوح خلال أكثر من عقد من الحرب.
وقال إن أكثر من مليون لاجئ سوري عادوا إلى ديارهم خلال السنوات الأخيرة، لكن "العودة لن تكون حلاً دائماً ما لم تتوافر ظروف الاستقرار والأمان"، محذراً من أن الفشل في ضمان استدامة العودة قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة خارج سوريا.
وشدد أن على الدول المضيفة تسهيل وصول اللاجئين إلى الخدمات الأساسية وفرص العمل، ورفع القيود المفروضة على حركتهم، مؤكداً أن الاستثمار في إمكانات اللاجئين يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية مشتركة للمجتمعات المضيفة واللاجئين معاً.
نداء أخير للمجتمع الدولي
اختتم المفوض السامي بيانه بالتأكيد أن العالم يعيش لحظة فارقة تتطلب استعادة الضمير الإنساني، داعياً الحكومات إلى إعادة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ووقف استهداف المدنيين، وضمان وصول المساعدات دون معوقات.
وأشار إلى أن استمرار الحروب في السودان وأوكرانيا وغزة وسوريا وميانمار سيُبقي ملايين الأرواح عالقة في دوامة النزوح والموت البطيء، مؤكداً أن العجز الدولي أمام هذه المآسي لم يعد خياراً، بل تواطؤ صامت ضد الإنسانية.